الأدب

متصدقش كل حاجة انت مصدقها!

كتب في : الجمعة 18 اكتوبر 2024 - 11:07 مساءً بقلم : حنان فاروق العجمى

 

من قراءتي لكتاب علاقات خطرة د. محمد طه

متصدقش كل حاجة انت مصدقها!

عنوان وبداية فصل جديد استوقفني أثناء قراءة ومراجعة كتاب د. محمد طه

وجودك وسط مجموعة من الناس والتعايش معهم بنفس البيئة يجعلك تصدق وتؤمن بكل شيء يصدقونه ويؤمنون به بشكل يظهر وكأنه اتفاق بينهم فلا تدرك حواسك رؤيتك الشخصية لأنك متأثر بالجمع هذا ما أشار إليه الكاتب استناداً إلى تجربة "سولومون آش"

التي أجراها على مجموعة من الأشخاص وذلك بالاتفاق مع بعض الممثلين بقول الرأي الخطأ بينما باقي المجموعة يقولون الرأي المقتنعين به وأعاد التجربة عدة مرات فوجد تأثر الأشخاص بالرأي الخطأ والاتفاق عليه وتغيير قناعتهم لتأثرهم بالأشخاص الممثلين واتباعهم فيه، إذن فالإنسان يتأثر بأصحابه وزملاء العمل والعائلة والمجتمع لذلك ينصحنا د. محمد. طه

لا تصدق أي شيء لمجرد أن الجميع متفق عليه

ثم انتقل بنا الكاتب والمؤلف إلى "الكارير شفت"

وهو ما يعني عدم رضا الشخص عن طبيعة عمله وتغييره لعدم اقتناعه أنه مناسب له وهذا ما يحدث كثيراً في الدول الأوروبية مثلما أشار الكاتب ولكنه إلى حد ما غير شائع في مجتمعاتنا الشرقية وقد استعان بمثال عن نفسه عند تحضيره رسالة الدكتوراه في الطب النفسي بانجلترا حيث علم أن المشرف على رسالته يعمل عازف للجيتار بعد الظهر ولطبيعة الكاتب الشرقية سقط المشرف على رسالته من نظره واستنكر فعله بينما هذا شيء عادي وطبيعي بالنسبة للمشرف على الرسالة وبالنسبة لمجتمه الأوروبي رفض عقل الكاتب هذا لأنه نشأ في مجتمع شرقي يختار عمله على أساس عدة عوامل منها الوجاهة الاجتماعية مثل بعض الشرائح التي تتوجه نحو الطب والهندسة وغيرها من كليات القمة للتباهي بأنه طبيب أو مهندس وما شابه ذلك من أعمال بالإضافة إلى عامل آخر وهو قوة التأثير على الآخرين مثل القضاء والشرطة والجيش لما لهذه الوظائف من قوة وأهمية وهناك عوامل أخرى لاختيار طبيعة العمل مثل مدى تناسبه للبنات أو هل هو مناسب لوضع العائلة أو الإبن مثل الأب أو الأم فنجد عائلات كلها أطباء أو كلها مهندسين مثلا، ولكن هناك مؤثرات أخرى تحكمنا مثل مكتب التنسيق بعد الثانوية العامة وهو المحبط لكثير من الأشخاص في اختيار المجال الذي يريدونه ويشير هنا د. محمد طه إلى نقطة هامة وهي كيف يصاب الشخص بالمرض النفسي والاكتئاب والفصام بسبب حرب الثانوية العامة وما يريده الآباء وانسياق الأبناء في سباق الحصول على أعلى الدرجات لدخول كليات القمة حتى لو لم يتوافق هذا مع رغباتهم بعد كل التعب والمجهود يصدمهم مكتب التنسيق وقد يدخلون كليات وجامعات لا تتناسب مع اختياراتهم ولا آمال آبائهم ولا حتى ما يرغبون بتحقيقه في مستقبلهم العملي فتكون النتيجة الفشل على الجانب الآخر قد يتحقق الحلم بالإلتحاق بالكلية المرغوب بها كإسم وشكل اجتماعي وواجهة وأهمية ولكن الطالب لا يشعر بأنها مناسبة له ولا يحبها ويكون مصيره الفشل أيضاً

إذن يجب تغيير المنظومة ككل ومواجهة إقناع العقول بهذا التغيير وإدراك أن الإنسان الذي يقوم بعمل "كارير شيفت " هو إنسان شجاع يملك قراره يستطيع مواجهة الصعاب والصبر والقدرة على تحمل المخاطر النفسية وتقبل المجتمع لاختياره وتغيير هويته كما يحب ويرضى حتى يستطيع تحقيق النجاح والتقدم بنفسه ومجتمعه وهذا ما خلصنا إليه من العرض الشيق للمؤلف والكاتب إذن اكتشاف النفس الإنسانية والخروج من الصندوق وعمل ما يحبه الإنسان أهم بكثير من رأي المجتمع والوجاهة وقوة وتأثير العمل والمنصب وحتى في اختياره لشريك حياته الأهم هو اقتناعه الشخصي به وليس رأي الأهل بأنه المناسب له لأنه هو الذي سيشاركه حياته وحده لن يعيش معه الآخرون فلماذا يعيش بمبدأ الرأي الجمعي وتقبل فرض رأي الآخرين عليه بالقوة والسيطرة لأن هذا ما يناسبهم فقط وهذا رأيي الشخصي أيضاً واتفق تماما مع رؤية الكاتب وتوضيحه أهمية أن يعيش الإنسان نفسه لا يخضع لمتطلبات الآخرين وتصوراتهم إرضاءاً لأهوائهم الشخصية ووجهات نظرهم مما يؤثر عليه سلباً في كل نواحي حياته فيعيش الفشل والحزن وعدم القدرة على اتخاذ قرار صحيح بنفسه مما يؤثر على من حوله وحياته كلها بشكل عام ولا يقف أثر هذا عليه وحده

افعل ما تحب مهما كان الثمن وأخرج عن النص

هذه نصيحة المؤلف وأرى أنها نصيحة سديدة وفي محلها، ما زلنا نبحر في كتاب د. محمد طه وننتظر إلى أين سنصل بسفينته فلنستمر معاً بالقراءة والاستفادة.

بداية الصفحة