كتاب وآراء

ازمة ديمقراطي في العالم المتقدم .

كتب في : الجمعة 19 يوليو 2024 - 1:46 صباحاً بقلم : حسين عطايا

 

ثمة علامات سيئة ترتسم في هذه الايام على مستوى الديمقراطيات العريقة ، حتى غدت عصية على ايجاد النخب التي تستطيع قيادة بلادها ، بل بعض هذه الدول قد رهنت مصيرها وربطته باشخاص قد يرتكبون بأي لحظة حماقة قد تؤدي بالعالم الى مصيبة كُبرى ، او إدخال بلادها في حروب او مصيرٍ اسود . ففي الفترة الحالية والتي تجري عمليات انتخاب برلمانية او رئاسية ، نجد ان الخيارات قد اضمحلت ، لا بل توقف الزمان عند اشخاص محددين ليس إلا . ففي القارة الاوروبية والتي توصف دائماً بالقارة العجوز ، والتي تختزن دولها النخب السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية منها ، والتي تتخرج من اهم الجامعات على مستوى العالم ، نجد ان اتجاهات الرأي العام فيها تتجه نحو الاحزاب اليمينية والمتطرفة منها ، وهذا مسار خارج العصر وعكس التاريخ ، خصوصاً إذا ما اخذنا التجربة السيئة التي عاشتها اوروبا في اوائل القرن الماضي وما عانته من حروب انتجها الفكر المتطرف ، إن النازي منها في المانيا او الفاشي في كل من اسبانيا وايطاليا وما نتج عنها من حرب عالمية اولى وثانية وما شهدته القارة الاوروبية من دمار وضحايا ولولا إرادة شعوبها وحبها للحياة لكانت اثار الدمار ماثلة ليومنا هذا . على الرغم من ذلك ، في انتخابات البرلمان الاوروبي والتي جرت في الشهرين الماضيين تقدم اليمين المتطرف كثيراً على اليسار والوسط ويمين الوسط ، وهذا مؤشر فيه من الخطورة بمكان هام ويؤشر لمستقبل فيه من العنصرية والشوفينية الكثير في القادم من الايام خصوصاً اتجاه المهاجرين ومزدوجي الجنسية في الدول الاوروبية . هذا الامر استدعى من الرئيس الفرنسي " ماكرون " حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات مبكرة وسريعة جداً في اقل من شهر ، جرت الشهر الفائت " حزيران - يونيو " ، وعلى اثرها فازت ثلاث كتل لم تستطع ايٍ منها الفوز بالاعلبية المطلقة " ٢٨٩ " نائباً من اصل ٥٧٧ نائباً ، وهذا ما شكل معضلة للحكم في فرنسا سينعكس على تشكيل الحكومة كونه لا يمكن لأي من الكتل الثلاث باستطاعته تشكيل حكومة بمفرده ، بل سيدخلون في تحالفات ونقاشات مع الاحزاب الصغيرة لتشكيل حكومة وقد لاتكون مستقرة ، وهذا ماقد يدعو الرئيس ماكرون مجدداً للدعوة لانتخابات جديدة ولكن بعد مرور عام على اخر انتخابات وفقاً للدستور الفرنسي . هذا على الصعيد الاوروبي وفي اعرق ديمقراطية ، اما في الولايات المتحدة والتي تُعتبر الاقوى عالمياً من حيث القدرات الاقتصادية والقوى العسكرية ومن حيث عديدها وعتادها وما تمتلكه من مكامن القوة والسيطرة في اكثر دول العالم على الاطلاق ومن حيث انتشار قواتها في كل اصقاع الكرة الارضية ، ايضا تفتقد لوجود النخب التي تتنافس في السباق الرئاسي الذي يتنافس عليه الحزبان الرئيسيان واللذان يحتكران التنافس في وصول احد مرشحيهما للبيت الابيض ، اي لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة ، وهذا الامر مُخيبٌ للأمال في بلاد تكتنز الكثير من النخب والتي تتخرج من اعرق الجامعات في العالم والاكثرها شهرة وسمعةٍ طيبة في العلوم على مختلف انواعها . فرغم ذلك نجد ان المنافسة تُقتصر فقط على اثنان ممن يزيد عمرهما عن الثمانين عاماً وفي الحزبين الرئيسيين الجمهوري " دونالد ترامب " ، والديمقراطي " جو بايدن " ، وكأن الزمان الاميركي توقف عندهما وقد اصبح المجتمع الامريكي عاقراً وعقيماً لا ينتج نُخب غيرهما . فالاول " ترامب " للأمس القريب كان يخضع وملاحق بأكثر من تهمة وقضية ، ولا يزال يحاكم بعشرات التهم والادعاءات وقد صدر بحقه احكاماً كثيرة لولا ميزة الاستئناف لكان يقبع في السجن ، ولكن لحسن حظه ما حدث له من محاولة اغتيال فاشلة نجا منها وقد خرج بطلاً قومياً وكأنه الاوحد القادر على قيادة الولايات المتحدة نحو الخلاص من ازماتها وتحقيق الرفاهية لشعبها ، وكأنه يمتلك المعجزات لوحده وبشخصه ، وفي الامس توجه حزبه في مؤتمره الاخير ، مرشحاً باسم الحزب باستعراض قوة ونشوة المنتصر ، وتقريباً اصبح رئيساً مع وقف التنفيذ بانتظار الانتخابات في شهر نوفمبر القادم . اما الحزب الديمقراطي ومرشحه بايدن والذي يكابد ليُعيد لترشيحع بعضٌ من وهج افتقدها في المناظرة الاخيرة امام ترامب في السابع والعشرين من الشهر الفائت ، او بعضٌ من اثبات انه بحالة صحية جيدة نتيجة التعثر في الكلام وزلات اللسان ، والتي دفعت بالعديد من اعضاء حزبه مطالبته بالتنحي لترشيح غيره قادر على منافسة ترامب والانتصار عليه ، لكن دون جدوى لانه مصر على المضي في السباق الرئاسي وكأنه احد شخصيات العالم الثالث المتمسك بجنة السلطة لما فيها من منافع وجنات عدن يحكم من خلالها . كل ذلك ، والنخب الامريكية والطاقات الجبارة التي يختزنها الشعب الامريكي ، وكأنها غير موجودة فقط يقتصر الامر على ترامب وبايدن لا غير ، وهذا اسوأ ما تُظهره الديمقراطيات العريقة في عصرنا الحالي . هذا الامر ، إن دل على شيء يدل على مدى العقم السياسي لدى احزاب العالم الحر والمتقدم ، والذي اصبح متقدماً على عهر السياسة في العالم الثالث وما تُعانيه شعوبه من احتكار للسلطة من مجموعة فاسدين عاجزين عن قيادة شعوبهم نحو التقدم

 

بداية الصفحة