الأدب
قراءة و تحليل في النص النثري 'إهمالك قتلني' للكاتب د. أسامة عبد العزيز

نبذة مختصرة عن الكاتب د. أسامة عبد العزيز :
دكتوراه في الأدب المقارن والتنمية البشرية وتعديل السلوك وماجستير فقه اللغة ودبلوم طرق التدريس والمناهج ومستشار اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم وامين حزب مصر الحديثة
إهمالك قتلني
بقلم د. أسامة عبد العزيز
...... إهمالك قتلني .....
....لم يرد لفترة على رسالتي الأخيرة ....
....وعشت حينها أياما وأوقاتا ثقيلة.....
....وحتي حين رد كانت أحرفه قليلة ....
....وأنا لم ولن أرسل إليه مجددا....
....حتي لا أرتكب في حق نفسي رذيلة....
....ولكن كيف افترقنا بهذه السهولة.....
....بل كيف تبدلت فيك ملامح الرجولة.....
....وصارت أفعالك كمن يمر بمرحلة الطفولة....
....وكيف صار شباب الحب عندك إلي الكهولة....
....أريد فقط أن أعرف السبب....
....حتي يزول عني هذا العجب....
....وعدت بذكرياتي إلى الوراء....
....وكيف كنا في أول لقاء....
....وبدأ العقل يستفيق......
....نعم ..فقد تبينت هدى الطريق.....
....وتمكنت أخيرا من السبب الحقيق.....
....الرد المتأخر....
....ثم الرد البارد....
.... إلى الرد المختصر ....
....وأخيرا عدم الرد....
....فقد أضعت كل الود....
....أليس الآن عدم الرد.....
....أبلغ عندي من كل رد....
بقلم د/ أسامة عبد العزيز
بداية النص النثري
إهمالك قتلني
أسلوب الخطاب ثم تحوُّل سريع لأسلوب آخر وهو السرد
تسرد بطلة النص وتحكي عن إهمال الحبيب لها وأنه لم يجبها من فترة ثم تلجأ لأسلوب الوصف وثِقل الأيام والأوقات عليها ثم ضجرها من معاملته واللامبالاة في رده عليها باستخدام تعبير "أحرفه قليلة"
ثم استخدام أسلوب الجزم وأداة الجزم "لم" والتأكيد ب "لن" وكأنما تجاهد وتنهي نفسها عن مراسلته والتفكير فيه ثم لجأت لأسلوب التفسير وهي تقوم بالسرد كأنما تحكي لشخص آخر أمامها ولكنها بالواقع تتحدث مع نفسها اللوامة
حتى أنها تحدث نفسها أن كلامها معه وإرسال الرسائل إليه بمثابة ارتكاب الرذيلة وهو وصف قاسٍ بعض الشيء ولكنه يدل على الندم الشديد والخطأ الشديد الذي ارتكبته في حق نفسها الغالية عليها
ثم تعود البطلة للذكريات وكيف كان الفراق الذي لاتصدقه ومدى سهولة التخلي عنها
تلجأ البطلة مرة أخرى لمخاطبة الحبيب المتخلي عنها وكأنه حاضر أمامها مستنكرة فقده لصفات الرجولة والشهامة في صورة جمالية وكأن الرجولة إنسان له ملامح خاصة ثم تُعَدِّد لصفات الحبيب المتخاذل وتَغَيُّر ملامحه وملامح شخصيته لملامح الطفولة في تهَكُّم واضح وصريح وهجوم قوي عليه لمن هو غير ناضج صاحب أفعال وتصرفات طفولية
وأنه ما زال بالمراحل الأولية لتكوين شخصيته وهو الآن بمرحلة الطفولة ولكني أختلف في هذا التشبيه مع الكاتب حيث تمتاز مرحلة الطفولة بالبراءة والتي يبتعد عنها الحبيب المتخاذل كل البعد وذلك بوصفها الصريح لأفعاله المتخاذلة وندالته
وما زلنا في مراحل تعدد الشخصيات ولكن هذه المرة حكمت بطلة النص على حبهما بالكهولة كالإنسان الذي يمر بعدة مراحل في حياته فقد كانت البدايات كما يصف الكاتب هي ريعان شباب الحب والذي تحول فجأة إلى الكهولة والعَجزثم التراوح بين الذكريات والندم والاعتراف للنفس بندالة الحبيب وعدم استحقاق البطلة هذه النهاية المأساوية بعد كل هذا الحب الذي أحبته له ثم الإفاقة على تساؤلات ولوم النفس لماذا حدث ذلك ولما تخلى عنها بهذه السهولة رغم الحب الجارف
تُرِكَت البطلة في النص تتعذب بتساؤلاتها وتريد معرفة السبب وفي حالة انتابتها من الذهول تتعجب مما آل إليه الحال ويأتي الاعتراف ومواجهة النفس
أنها مجرد ذكريات بينما الواقع مؤلم وهو إدراك حقيقة استغلالها من قِبَل هذا الشخص الأناني الذي وقعت ضحية له ولتقلبات مزاجه ولكنها أخيرا تبينت الطريق الصحيح واهتدت ولم تَعُد تتخبط بمشاعرها ولم يعُد من الممكن التأثير عليها كالسابق ولكنها اهتدت إلى هذا بعد مراحل عذاب من تجاهل وردود متأخرة وباردة وكأنما تلوم نفسها على تأخر استفاقتها وانتظارها إلى تلك النهاية الأشد إيلامًا وهي عدم الرد وعدم استجابته لرسائلها ورمي قصة حبهما بسلة المهملات وضرب الحبيب المتخاذل بقصة حبهما عرض الحائط ولكنها أخيرًا ستُذيقه من نفس الكأس في إشارة منها أنها لم تَعُد كما هي وأنها لن تجلس على رف الاحتياط الذي وضعها عليه بل تُحدِّث نفسها وتسألها أليس من حقها أن تتعامل معه بالمثل وأن هذا أبلغ رد على إهماله لها وكأنها شيء عابر عادي في حياته
كانت هذه قراءتي التحليلية في النص النثري المذكور أعلاه ل د. أسامة عبد العزيز وتحليل لرؤيته لشكل من أشكال العلاقات الفاشلة وهي جذب الضحية واللعب بمشاعرها ثم الارتداد وخلف الوعد والتلذذ بتعذيب الآخر ورؤية مشاعر الحسرة والندم والتَّخَبُّط كما حدث لضحية النص وحيرتها وتساؤلاتها ولوم النفس وارتكاب خطيئة لا تُغتفر في حق نفسها ووقوعها في براثن نرجسي مُتخلٍ عن إنسانيته فقد صوَّر لها أنه طفل
لا يملك قراره بينما هو عاقد العزم على تركها بعد وعده لها بإنشاء علاقة جدية مُرسَّمة كما العرف السائد وهذا النوع من الشخصيات يهوى تكرار هذه اللعبة مرارًا وتكرارًا والاستمتاع بكثرة الضحايا التي يخضعها لأهوائه الشخصية وأمراضه النفسية وحبه لإيذاء الآخر
كان هذا من إبداع د. أسامة وإسقاطه على النرجسية في ثوبها الجديد والمرور بعدة مراحل في العلاقات للسيطرة الكاملة على الضحية وعدم قدرتها على الخروج من العلاقة أو تفسير تصرفات الطرف الآخر الغريبة المتحولة من الحب والاهتمام إلى انعدام الحب واللامبالاة وترك الضحية بدون تفسير في حالة من حالات الصراع مع النفس وهو ما سبق وقد أشرت إليه في مقالي عن الشخصية النرجسية منعدمة الضمير وكان المقال بعنوان "إيذاء نفسي" والذي تناول بعض صفات الشخص النرجسي والذي وجب التحذير والتوعية بمخاطر التعامل معه واكتشافه قبل التعمق في تكوين أي علاقة سوية معه والتفافه كالأفعى حول فريسته والقضاء عليها