كتاب وآراء

متابعة لمراجعة وتحليل رواية تغريدة عشق لهالة البشبيشي بقلم الكاتبة / حنان فاروق العجمي

كتب في : الجمعة 07 فبراير 2025 - 9:37 مساءً بقلم : حنان فاروق العجمى

 

عودة وتكملة لقراءة تغريدة عشق للروائية هالة البشبيشي ... حيث قد توقفنا عند حنين وغربة واغتراب ندى بطلة الرواية مع عائلتها وتأثرها بأبيها وإحساس الغربة القاسي عليها مع معايشتها لأوامر وإرشادات الأم ظنًّا منها أن هذه هي التربية القويمة ولكن ما هوَّن الحياة عليها حنيَّة والدها ومشاركته لها في سماع الموسيقى والتواشيح الدينية والقراءة ...

وقد ألقت المؤلفة هالة البشبيشي الضوء على أهمية وتأثير مشاركة الآباء لأبنائهم في هواياتهم، والبناء النفسي العاطفي لهم فأشارت إلى قسوة الأم وتفكيرها العملي في البحث عن المادة وأنها هي المُقوِّم الرئيسي للحياة وأن أهم شيء بالوجود هو تزويج بناتها لضمان عيشة كريمة لهن وإلقاء المسؤولية من على عاتقها بينما الأب هو المعلم الروحي كما ظهر في الرواية وهنا نجد مقارنة بشكل غير مباشر بين أساليب التربية المختلفة وعمق تأثيرها على الأبناء، كما ألقت الكاتبة الضوء على أسلوب تفكير الطبقة المتوسطة والنمط التقليدي للعائلات بمصر آنذاك وهو تعليم الأبناء وتأمين ما يكفي احتياجاتهم وتزويجهم بخاصة البنات وبهذا ينتهي دورهم ويشعرون بالرضا...

برعت المؤلفة في إظهار شخصيات الرواية والبيئة التي عاشت فيها والأفكار والعادات والتقاليد وظهر هذا في شخصية "عهد" صديقة ندى بطلة الرواية ومدى تأثير البيئة الخليجية عليها من قيود وتخوُّف من حُكم الغير ووجود هاجس داخلها كيف يعيش مَنْ هم خارج المجتمعات الخليجية من تحرُّر مما رسم في مُخيَّلتها عيش الخيال والممنوع بطريقتها الخاصة والتي صرَّحت به الكاتبة بشكل مباشر وواضح في تصوير العلاقة الخيالية بين ندى التي ولدت بأسرة محافظة وأم تعاملها بشدة وصرامة وعهد التي ولدت بأسرة تتبع التقاليد العربية ودول الخليج في عدم مخالطة الذكور للإناث بينما هذا أدى إلى انطواء الشخصية على نفسها بل المرض وعدم السواء النفسي وسلوك ممارسة الاحتياج العاطفي مع بنت مثلها مما يجعلنا ندرك مدى خطورة التشدد والمنع والقمع وما يؤدي إليه من بناء نفسي غير سوي لبعض البنات في هذه المجتمعات وخطورة اختلاطهم ببعض والرغبة في معرفة العالم المجهول الذي حرموا منه والانسياق وراء ما هو مُحرَّم رغم الطبقة الاجتماعية التي ينتمون لها والمفترض أنها طبقة متعلمة ومثقفة فهي ابنة طبيب ومدللة وتعيش مرفهة بل نجد جرأتها لاجتذاب بنت مثلها والسيطرة عليها لما لمسته من احتياجها العاطفي وتشدُّد أسرتها في معاملتها.. ناقوس خطر أشارت المؤلفة إليه في الرواية ...شخصية وجدي الزوج الذي هبط على حياة ندى فجأة ومباركة الأهل للزواج ثم طرح الكاتبة للعقدة وهي عدم الإنجاب والصورة المنغلقة والرجعية للزوج وعائلته وإلقاء سبب عدم الإنجاب على المرأة رغم التعليم ورغم الثقافة فهو مدرِّس رياضيات وأخته معلمة ولكن مع هذا إلقاء اللوم منه وأسرته على ندى...

وهنا تعرضت الكاتبة للصراع النفسي الذي وقعت فيه ندى فقد خرجت من شباك التقاليد والعادات والأوامر والنواهي لعائلتها إلى شباك قسوة الزوج وأهله وتفكيرهم المنغلق وجهلهم...... الألم النفسي وطلاق ندى والعودة لأسرتها وجرح الأم لمشاعرها كأنها هي السبب في طلاقها وليس زوج جاهل... أشارت الكاتبة إلى الآلام التي تعيشها المرأة بعد طلاقها من لوم الأهل لها على الطلاق بل وأثناء الزواج عذابها مع زوج مريض نفسي لا يعترف بذلك ويكيل هو وأسرته السباب واللعنات على زوجة لا ذنب لها... تَخلُّف بعض المجتمعات يجرف معه آلالام وأحزان واضطراب نفسي لآخرين لا ذنب لهم... تخطيط العائلات والسيطرة على أبنائهم وتحكمهم في حياتهم وزواجهم وتعليمهم مما يجعل الأبناء ضحية لهم دون أن يشعروا بذلك زاعمين أنهم يريدون مصلحتهم... أظهرت الكاتبة هذا في زواج ندى للمرة الثانية من "فريد" ابن عمتها بتخطيط واتفاق أمه وخاله ولكن الروائية برعت في تصوير فرض رأي الآباء على الأبناء وانسياق الأبناء بإرادتهم لهم في طاعة عمياء ورضا...إذن العادات والتقاليد وسيطرة الآباء كان على الذكور والإناث على حد سواء حيث ظهر هذا في حديث فريد عن رقابة أمه واعمامه عليه قبل الزواج وتمنِّيه السفر ليخرج عن سيطرتهم وتحكُّمهم وبالفعل حدث بسعادته وسفره للإمارات وعيشه حياته كما يحلو له، ثم الانصياع لرغبة أمه في زواجه من ندى رغم اعتقاده الذكوري أن المطلَّقة لا تصلح للزواج!! حيث ذكرت المؤلفة عبارة أنه "لن يكون أول من يتذوق عسلها"...كما أشارت إلى حزن الأب من لقب مطلقة الذي حصلت عليه ابنته المسكينة حيث أوضحت المؤلفة نظرة المجتمع للمطلقة وظهر هذا في التعبير " كأن العناية الإلهية انتشلته من حفرة عميقة قد زلق بها " ،"كان فريد هو الرافعة التي أخرجته من تلك الحفرة... فلقب مُطلقة كان سوطًا يجلده" أوضحت الكاتبة الشعور المهين من عرض عائلة المرأة لها كسلعة يشتريها عريس المستقبل وفرحهم للتخلص من حِمل إبنة لهم وخاصة بعد طلاقها... كلها عوامل ساهمت في تكوين وتطوير شخصية بطلة الرواية... الإشارة إلى تتويج بطلة الرواية بزفافها إلى فريد وانتفاء تهمة المُطلقة العاقر عنها ورد الاعتبار من الأشياء التي ألقت الكاتبة الضوء عليها وظلم المجتمع للمرأة...الزواج دون التعارف بشكل كافي ودراسة شخصية المتقدم للزواج ومدى توافق الطرفين سبب قوي لفشل الزواج وظهور عيوب الشخصيات بعد الزواج والتعاسة والاختلاف العميق.... ذكرت الكاتبة "كنت بالفطرة وعدم خبرتي بالحياة كقطعة صلصال بين يديه يشكلها كيفما أراد" نظرة المرأة لنفسها بعد تعرضها للصدمات والزواج للمرة الثانية لتلبية رغبة الأهل والتخلص من لقب المرأة المتروكة والعالة على أهلها والنظر إلى الرجل الذي تزوجها على أنه ضحى وقبل بها زوجة له رغم أنها مُطلقة وانتقاص قدرها واستحقاقها تلك الأفكار المريضة البالية وتأثيرها على البناء النفسي للمرأة.... ثم الإشارة إلى الهاجس الذي تصاب به المرأة وخوفها من زوجها الثاني وتذَكُّر الزوج الأول وأسلوبه المريض في معاملتها وتأثير ذلك على العلاقة الخاصة بينهما... نقاط هامة ألقت الكاتبة الضوء عليها حيث تشعر وكأنك داخل كتاب للدروس والعِبَر في شكل رواية وحياة معاشة وأشخاص..

فَقْد المرأة لكينونتها ومحاولة إسعاد الزوج بشتى الطرق لانه المُتفضِّل عليها بالزواج وإنقاذها من نظرة المجتمع العقيمة لها وعدم رغبتها في الطلاق للمرة الثانية...تناسي المرأة لطموحها وتنفيذ رغبة المجتمع أنها كائن خلق لإسعاد الرجل والإنجاب فقط....إحساس الأمومة وما يسببه من ضغط نفسي على المرأة لشعورها بالمسؤولية وأنها خلقت لتُعطي فقط ولا حق لها في الحياة سوى ما هو متاح لها من وجود عائل وزوج تعيش في كنفه ورعاية للأبناء

أظهرت الكاتبة الصراع الداخلي للمرأة بين الطاعة والحرام والحلال والانسياق لروتين حياة زوجية وعلاقة تخلو من الشغف وهو واقع تعيشه العديد من النساء في المجتمعات العربية بسبب قلة الوعي والثقافة والفهم الخاطئ للدين والحلال والعيب والحرام... بناء الحياة الزوجية على الاعتياد وعدم المصارحة بمشاعر كل طرف للآخر يساهم في هدم الحياة الزوجية.... إفاقة طرف من أطراف العلاقة الزوجية ومواجهة الآخر كما أشارت الكاتبة بعبارة "انت مش مبسوطة معايا ولا إيه يا ندى؟" بداية النهاية وأنانية الزوج وعدم اعترافه بحق زوجته في تحقيق طموحها عمليا سبب للخلافات الزوجية... عالم الإنترنت وتأثيره على العقول حيث أشارت المؤلفة إلى انبهار بطلة الرواية بهذا العالم وكيف أثر عليها.... الإفاقة الروحية لبطلة الرواية والذي أظهرته الكاتبة في الأسئلة الفلسفية والوجودية لذاتها مَن هي؟ وماذا حققت؟ ولماذا سُرقت منها حياتها؟ وما هو الحب؟ تأثير أشعار الحلاج وجلال الدين الرومي الذي كان يقوم والدها بإلقائها عليها وهي صغيرة وشعورها بنقص شيء ما في حياتها... حيث اوضحت الروائية التمرد والمشاعر المتضاربة داخل المرأة في رحلة البحث عن الذات وتذكرها لأنشودة غنتها أم كلثوم "وليس يضيق بابك بي فكيف ترد من قصدا... فيا رب لاترد لي يدا وكن لي عونا في حيرتي"... عشنا مع الكاتبة حالة السمو الروحي الذي يصل إليها الإنسان بعد صراعه الداخلي ومعاناته... وعلى الناحية الأخرى لم تغفل الكاتبة الصراع الداخلي للرجل فهو أيضا بصورة أخرى ضحية العرف ونصائح الأهل ووجوب الزواج ليسعد أهله وينجب كأنه آلة خلقت لتحقيق رغبات كل من حوله إلا نفسه وأن الزواج بالنسبة له تلبية احتياج ورغبات وشكل اجتماعي فقط...

نتائج فشل الحياة الزوجية الهروب إما برغبة الرجل في إعادة مرحلة المراهقة والشعور بحب فتاة له كما فعل فريد وعودته لحب الطفولة والصبا وحبيبته ليلى وعيش مغامرة عاطفية بعيدة عن قيود الزواج أو هروب المرأة إلى عالم الخيال كما كانت ندى تفعل وإلى الانضمام لجروبات الإنترنت وتكوين الصداقات والتعرف على الثقافات المختلفة والانفتاح على عالم جديد لتعويض الاحتياج العاطفي...

كلما أبحرنا داخل الرواية كلما اتسعت وتشابكت الإشارات التي تشير إلى موضوعات هامة في مجتمعاتنا

أنصحك عزيزي القارئ بقراءة الرواية ومتابعة رؤيتي الخاصة التي أرى أنها ستعود بالفائدة الكبيرة على كل إنسان مُفكِّر يُعمل عقله.