الأدب

قراءة نقدية في قصيدتي بعنوان سام بقلمي الأديبة والشاعرة والكاتبة الصحفية حنان فاروق العجمي

كتب في : الخميس 25 إبريل 2024 - 12:03 مساءً بقلم : حنان فاروق العجمى

 

قراءة نقدية في قصيدتي بعنوان سام بقلمي

الأديبة والشاعرة والكاتبة الصحفية

حنان فاروق العجمي

قراءة استبطانية في قصيدة: "سام" لأديبة الإسكندرية الدكتورة: حنان فاروق العجمي

بقلم الدكتور: محمد جمال / جامعة السلطان سليمان ـ المغرب ـ

أولا: متن القصيدة

سام

سام ابتلع المسموم

ملأ الحشا وصار صهريجاً من يحموم

نمت وترعرعت في جوفه زقوم

فانفجر قهراً وعاء ملغوم

أصاب زمرة نورهم يدوم

فاشتعلت نار دخانها يحوم

نجا الحمام من قعر بركان وغيوم

وسُمِع هديل يقول عذابه محتوم

السام ظن أن الأمر مكتوم

أفاق على صدمة وصريخ قلب مكلوم

ندم على ما كان وهو مهزوم

وبات انكشاف أمره للجميع معلوم

انكبَّ يجمع أشلاءه مذهولاً يلملم الجِروم

الحسرة تملأ ثقوب جسدٍ مشؤوم

قد كان يضيء حول نجوم

مطرود ملعون من الرحمة محروم

أغمضوا عيون بصائرهم نصروه قالوا مظلوم

شموس بأرضه تدمي ويسبح بنهرها منهوم

ويُنقش عمله في كتاب مرقوم

إنَّه السَّام الذي ابتلع المسموم!!

======

ثانيا: قراءة استبطانية للقصيدة

سام (بتشديد الميم أو تخفيفه)، وسام (بهمز وسطه أو تخفيفه): أيهما هو بطل القصيدة في توجيه قلم حكيم عودنا على صنع الحيرة في انتقاء كلمات متونه الجميلة الملغومة.

رقصة بيانية متعددة الإيحاءات أشبه بقطعة سلاح متعددة الفوهات لا يدري الحائم حول الحمى أي فوهة منها ستقنصه إذ تلبس بذنب منظور.

ـ أتراك يا سام إسما من أسماء الذكران تيمنا بسام بن نوح عليه السلام؟

ما يضير أن تكون أنت هو (سام). لكن هل تعلم أن ذريتك بعدك تفرقها دينان لا زالا يقتتلان: دين حق خاتم كثير الأتباع، لكنهم عند الامتحان غثاء سيل تقاذفته الرياح ولم يعد له غَناء،

ودين متهالك تقادمت به الأيام مسخته أقلام المشيمطين من الأحبار والرهبان، قليل الأتباع في الأنام، محقر أهلُه منذ غابر الأزمان. لكنهم اليوم مع قلتهم أخرسوا ألسن الحق وأوقفوا الكلمات في الحلوق بألف زمام، وأرسلوا في المدائن حاشرين لأوليائهم الشياطين الطغام.. بددوا الشمل وفرقوا الجموع وألقوا برداء المذلة على حشود الإيمان في عام مشؤوم. منع المستأمنين على الحق من ضغط الزناد عجوز أخرق مسموم.. أسدل على سدنة المكان حفدة الكرام ظلالا من يحموم وسقاهم دهاقاٌ كؤوسا من زقوم .. حسبوها نعمة غادقة تستوجب الشكر الفاجر على حساب تدنيس المكان وافتضاض عذرة المقام.

فبدا المشهد بهذا التناظر بين النقيضين لقليلي الحيلة من عامة الخلق العزل كما لو هو سحر مبين استعصى على الفهوم.

رويدك يا حفيد ابن نوح عليه السلام .. لا تبتئس قبل إتمام الكلام. فمن الكثرة قلة خيرٍ لم يطلها سحر الساحر ولم يُخِفْها وعيد الواعد ولم يرهبها زئير الأسد العجوز الرابض ولم تغوه زركشة أفعى مدللة رقطاء نقشت على جبينها خاتم داود،... رقص لشرورها آدميون تسموا بالكبار: يعرفون بسيماهم أنهم حفدة القاعدين اللئام .. دانوا للرقطاء بالولاء طمعا في قران يدوم، وقضاء أوطار لا تنتج غير سم زعاف بالعذاب إخوتهم يسوم، وغدا يأتي عليهم الدور أنفسهم سيسوم.

فهل يثمر اللاسع السام لملسوعه السام غير مزيج معتق من سموم، لا فرق بين سامّ ومسموم.

حالك يا حفيد سام حالُ من شدد ميم اسمه بولائه للرقطاء ومعاشرته لشعاب البيداء حتى حق عليك الوصف بأنك سامّ ومسموم وما عاد لك في معجم سام ابن النبي مكان معلوم. وبِتّ تحمل جينات من حاكوا منذ زمان محاكاة زواحف الأرض في التربص للصغير قبل الكبير وللضعيف قبل القوي وللنسوان قبل الرجال؟ ما يمنع بهذا من أن تكون أنت بطل القصيدة يا حفيد سام الزمان وأنك لم تعد أنت سام (سام) بل سامّ ومسمومٌ.

رويدك يا سام: فإن من ذريتك من تخلقوا بعدك بأخلاق الزواحف إذ أغرتهم جنيسة بزاهية الألوان. فما أن دخلوا في مدى انقضاضها حتى احتوتهم ابتلاعا ..حسبوه استقواء على من خالفهم من الإخوان. أغرتهم بالنصرة عليهم ووعدتهم الأمان. وهل أمان الرقطاء إلا استدراجها للغاوي البليد إلى السمت القريب تهييئا للَسعَة يهجنُ بها اللاسع الملسوع. ليتطبع بطباعه ويدين بدينه ويدخل في مذلهة وهوان في سربه وحزبه.

ترى من يصدق تعليل صمتك على العدوان ... وندمك اليوم على ما كان من تبديلك جلدك واسمك واستخلافك في الأرض يا حفيد سام؟؟ ... يا إنسان؟. ترى من يصدق ندمك على ما كان من وليتك الرقطاء من شرور غضضت الطرف عنها كما لو هي حق مقسوم.

نعم قد نصدق حسرتك على حق مهضوم وتخاذلك عن نصرة المظلوم! وأنت في حاضنة ذات الوعد المشؤوم لكن بشرط أن تجيبنا عن هذا السؤال: ترى هل ندم حي بن يقظان على أن تربى في أحضان ظبية الغاب إذ منحته الحنان؟ هل فرط في إنسيته وتحول إلى حيوان؟؟ أما تدري أنه قد قاده عقله الآدمي إلى معرفة الملك الديان. و هل يندم يا ترى من كفلته ظبية مدرارة حنون لطيفة الجيد والقوام هي رمز الشعراء لوصف الغاديات الحسان.

ما الفرق إذن بين من كفلته ظبية هي رمز الغوادي الحِسان وبين من جعل كفيلته شريعة الرحمان ؟

ما أحسب حيا بن يقظان قد ندم على أن كفله يوما حيوان فيما وافتنا به الأساطير المتواترة في تواريخ الزمان. وما ذلك إلا لأن الفطرة شهدت للظبية الكافلة لحي بن يقظان بحسن الخصال، وعلى الضد منه شهدت الفطرة وكتب السماء يا سام لكافلتك الرقطاء ذات النجمة المعقوفة الزرقاء بسوء الخلال وذميم الفعال.

نعم كلا الكافلين حيوان. لكن بينهما من الفرق ما بين النور والظلام. ففي أي حال منهما تجد نفسك يا حفيد القعدة اللئام يا حفيد سام ... يا إنسان ... هل أنت فعلا إنسان؟؟

ليس بعد هذا التناظر بادي التناقض ما يمنحك تصديق المؤمنين الأصلاء لندمك وحرقتك الممسوخة ياحفيد سام. إذ مهما فعلت فضحتك كلماتك المبحوحة المتعثرة في سرابيل الرعب خجولة متلجلجلة كما لو أنك تساق إلى دار الحمام. لا يملك العاقل اللبيب سوى الإشفاق عليك بعلة أن ندمك الذي هو مشروطك متوقف على شرط فاسخ. فسخ عقدك وحل أصفاقك وأصدأ نصلك في غمدك وألقى عليك وعلى أمثالك قبضة من تراب تحت شعار صفي الرحمان: "شاهت الوجوه".

سبق السيف العدل في محكمة العدل لتأخذك بذنب ولائك ونفاقك، فقد انتفى مشروطك بانتفاء شرطك و نقضت حجة الفطرة حجة انحرافك عن فطرتك ودعوى ارتمائك في أحضان رقطائك؟.

ذلكم حال الكثيرين ممن استبدلوا القشر باللباب ولهثوا وراء السراب، غير محتفلين بمن تركوهم زغب الحواصل حين المغادرة عند الأعتاب تهب عليهم عواصف الشر من كل حدب تهدم الدور وتقتلع الأبواب. فما استفاق مغادرو أنفسهم وأصولهم إذ عادوا من غياهب ذلهم مهزومين مدحورين إلا بعد فوات زمن التوبة ونفاذ فسحة العتاب. فما ينفع الندم بعد إذ شابت الدوائب والمفارق من زمانة وطول عذاب.

تلكم معادلة من أديبة الإسكندرية

ـ بين ولاء مشروع لمن يستحق الصحبة والعشرة والولاء والتماس الأعذار، في مثال الظبية الحنون وحي بن يقظان مع حفظ خصوصية الإنسان وخصوصية الحيوان دونما مساس بفطرة الديان.

ـ وبين ولاء آدمي ممسوخ منقوض بالشريعة وفطرة الرحمان لرقطاء آدمية ترتدي زي إنسان.

بداية الصفحة