منوعات

الإهمال يضرب مسجد 'الظاهر بيبرس' .. فمن المسؤول ..؟

كتب في : الخميس 02 نوفمبر 2017 - 10:49 صباحاً بقلم : محمد عبد الواجد

كان مسجد الظاهر "بيبرس"، بمنطقة الأزبكية، قبل بدء مشروع ترميمه، يضيء ويزين الميدان الذي سمي باسمه، بوسط القاهرة التاريخية، أما الآن فقد تحول المسجد، لمكان مهدم معتم، تنتشر بداخله المياه الجوفية، وتسكنه الكلاب والحيوانات الضالة، ولم يترك للمصلين إلا مساحة صغيرة لإقامة الصلاة، وسط التراب والحصى ومواد البناء.

بني المسجد علي الطراز المملوكي، في عهد الملك الظاهر بيبرس سنة 665 هـ، ونحتت جدرانه وزينت بيد الفنان المصري، ليتحول لتحفة فنية فريدة تسر الناظرين، ارتبط به أهالي الحي، وارتبطت به ذكرياتهم وحياتهم، لتمثل علاقة فريدة بين البشر والحجر.

• المسجد يغرق في المياه الجوفية
خضع مسجد الظاهر بيبرس، لأكثر من مشروع ترميم، وتم هدم أجزاء كبيرة منه، وتسبب الترميم وإزالة حديقة المسجد، في طفح المياه الجوفية، وانتشار الرائحة الكريهة العفنة، فيما انتشرت الكلاب الضالة وتكاثرت في الأجزاء المهدمة، ولم يترك للمصلين إلا مساحة بسيطة لإقامة الصلاة.

يحيط بالمسجد من الخارج سور حديدي، امتد على طول جوانبه الأربعة، ظهر خلف السور، منظر عشوائي لمزروعات وأعشاب، نبتت بفعل المياه الجوفية، التي انتشرت داخل وخارج المسجد، وقد تعفنت هذه النباتات.

بجوار السور من الداخل، تراصت ألواح خشبية كبيرة، وسط كميات كبيرة من القمامة، انتشرت فيها الكلاب والحيوانات الضالة والحشرات، وعلى باب المسجد الرئيسي، كتب اسم "الظاهر بيبرس" بالخشب المحفور، الذي تأكل بفعل الزمن.

لم يجد المصلون وسيلة للدخول، لإقامة شعائر الصلاة، سوى وضع ألواح خشبية لعبور حفرة من المياه الجوفية، يصل عمقها إلى نحو 3 أمتار تحيط بالمسجد، ويصرف فيها مياه المجاري، من المكان المخصص للوضوء بالمسجد.

أمام كل هذه التحديات، رفض المصلون ترك المسجد، ووقف إقامة الشعائر به، فاقتطعوا منه جزءًا لا يتعد 100 متر من المسجد، لم تصل له أيادي الهدم، وأحاطوه بستائر من القماش والمشمع، وخلف هذه الستائر، بدت الصورة عشوائية.

فقد تحولت الجهة اليمني للمسجد، لبركة كبيرة من المياه الجوفية، وفي صحن المسجد، وضعت كميات كبيرة من بقايا الهدم ومواد البناء، وعلى أطراف الصحن، امتدت أجزاء من أساسيات المسجد، التي تم بناؤها بالطوب الأحمر، بعد هدم أساسيات المسجد القديم.

وسط كل هذا انتشرت الكلاب الضالة، بأعداد كبيرة لا يفصلها عن المصلين سوى قطعة من القماش، وعلى أطراف المسجد، وضعت الشركة المسئولة عن الترميم، غرف متنقلة لموظفيها والعاملين بها، تم صناعتها من الصاج.


• ضيق وغضب المصلين
بعد صلاة العصر، في المكان المخصص للصلاة، جلس عدد من المصلين يتحدثون عن حل جذري، لاستكمال ترميم المسجد وإعادته كما كان، يقول أحدهم وهو رجل عجوز أشيب، تحول شعره للون الأبيض بفعل الزمن: "المسجد كان شغال، وارتبطنا به منذ طفولتها، ولكن الصراع بين الآثار والأوقاف، هو اللي وصل حال المسجد للوضع الحالي".

قبل أن ينهي جملته، قاطعه مقيم الشعائر بالمسجد، وهو شيخ ضرير يجلس بجواره خادم المسجد قائلاً: "الأوقاف لا دخل لها، نحن مسئولون فقط عن إقامة الشعائر والصلاة، أما الترميم فهو مسئولية وزارة الآثار، وترميم المسجد توقف بسبب عدم حصول المقاول على مستحقاته".

أجمع المصلون علي أن عدم حصول المقاول علي مستحقاته، التي تصل للملايين، تسببت في عدم استكماله أعمال الترميم، وهو ما أدى لارتفاع المياه الجوفية، وتحول أجزاء كبيرة من المسجد، لمرتع للحيوانات الضالة.

أمام المسجد مباشرة، في شارع بهاء الدين، يسكن الأستاذ محمد عبدالمعطي، مدرس المجال الصناعي بمدرسة خليل أغا، يحفظ تاريخ جامع "بيبرس" عن ظهر قلب، حيث ولد ونشأ طوال سنوات عمره، التي تصل لـ 52 عامًا في هذا المنزل، ويحتفظ بصور وفيديوهات للمسجد قبل هدمه.

يقول عبد المعطي: "كان المسجد قبل هدمه في الداخل، عبارة عن تحفة معمارية وفنية فريدة الطراز، أما الآن فهو عبارة عن سور فقط من الخارج، وفي داخل المسجد تم تسوية أرضه بالكامل، وهدم الحديقة التي كانت بداخله في الجهة اليسري، وكانت نباتات ومزروعات هذه الحديقة، مسئولة عن سحب المياه الجوفية، التي تنتشر في كل مكان بالمسجد الآن".

ويضيف مدرس المجال الصناعي:" خلال عملية الترميم، تم هدم الأساسات، التي تحمل سقف المسجد الخشبي، وإعادة بنائها مرة أخرى بالطوب الأحمر، وتم وضع الألواح الخشبية، التي تم استخراجها من سطح المسجد، بجوار سور الجامع من الخارج، وهو ما تسبب في تلفها".

ويشير:" إلى أن المصلين اقتطعوا جزءًا من المسجد للصلاة، أما باقي أجزاء المسجد، فتنتشر فيه بقايا المسجد المتهدم، والمياه الجوفية، ومعدات الشركة المسئولة عن الترميم، وتنتشر فيه الكلاب والحيوانات الضالة، التي تعبث في كل مكان بالجامع وتتكاثر".

طالب الأستاذ عبدالمعطي، بالإسراع بترميم المسجد، أو إعادته كما كان، لاسيما أنه يخدم عددًا كبيرًا من سكان الحي، الذين رفضوا إغلاقه وتركه، ويصرون علي استمرار إقامة شعائر الصلاة به، بالرغم مما يعانوه خلال فترة الشتاء، من هطول الأمطار، والتزاحم خلال صلاة الجمعة.

• المسجد طرازه فريد وخضع لأكثر من 15 مشروع ترميم
قال الدكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة، وأستاذ الآثار الإسلامية، أن مسجد الظاهر بيبرس، خضع لأكثر من مشروع ترميم، تصل لأكثر من 15 مشروعاً، توقفت جميعها بدون سبب واضح، وهو ما أدى لتهدم المسجد من الداخل، وتغير معالمه، ولم يتبق منه إلا سوره الخارجي، مشيرا إلي أن المسجد يحظى بأهمية تاريخية كبيرة.

وأضاف أستاذ الآثار الإسلامية في تصريحات لـ "المصرية للأخبار"، أن المسجد بناء السلطان بيبرس، وهو من أكبر الجوامع بمصر، بعد جامع ابن طولون، وطرازه المعماري نادر، ويوجد به ثلاثة مداخل تذكارية، وتم تصميم قبته علي طراز قبة الإمام الشافعي، وكان رمزاً للنضال ضد الاحتلال الفرنسي، خلال ثورة القاهرة والأولي والثانية.

وأشار عميد كلية الآثار، إلى أن المسجد مساحته كبيرة جداً ويحتاج لمشروع ترميم قوي ومنظم، وعدد كبير من الرحالة العرب والأجانب، زاروه ووصفوه بدقة، وتوجد له صور ودراسات كاملة، لدى كلية الآثار بجامعة القاهرة، وكليات الآثار بالجامعات المختلفة، من الممكن الاستعانة بها خلال مشروع الترميم.

وأكد أن كلية الآثار بجامعة القاهرة، من الممكن أن تقوم بالدراسات الاستشارية لعملية الترميم، ولكن مسئولية الترميم وسبب توقف المشروع، تسأل فيها وزارة الآثار، واللجنة الفنية للآثار الإسلامية بالوزارة، وقطاع الآثار الإسلامية بالوزارة، ووزارة الأوقاف؛ لأن المسجد تابع للأوقاف مثل باقي الآثار الإسلامية.

وطالب الدولة بتبني إستراتيجية شاملة، لترميم مسجد الظاهر بيبرس والآثار بصفة عامة، وأن تتغير نظرة الحكومة لوزارة الآثار، على أنها وزارة خدمية، والاستثمار في ترميم وتطوير الآثار وتسويقها عالمياً، وهو ما سيؤدي لارتفاع الدخل القومي المصري.


• الآثار الإسلامية: "الرقابة الإدارية" تحقق في قضية توقف الترميم
قال الدكتور سعيد حلمي، رئيس إدارة الآثار الإسلامية والقطبية، بوزارة الآثار، أن مسجد الظاهر بيبرس، خضع لأكثر من مشروع ترميم، وصدر مؤخراً قرار، بسحب مشروع الترميم، من قطاع المشروعات بالوزارة، لإدارة القاهرة التاريخية، التي ستتولى الإشراف علي المشروع، مشيرًا أن توقف مشروع الترميم في الوقت الحالي، سببه انتظار انتهاء إجراءات النقل، وتدبير الاعتماد المالي والفني.

وأضاف إدارة الآثار الإسلامية، في تصريحات لـ "المصرية للأخبار"، أن مشروع ترميم المسجد، بدأ منذ عام 2009 تقريباً، وتأخر بسبب عدم التزام المقاول بمواصفات المواد التي يتم الترميم بها، وتم تحويل الملف بالكامل لنيابة الرقابة الإدارية، للتحقيق في الموضوع، لازالت التحقيقات مستمرة حتى الآن.

وأوضح أن اللجنة الدائمة، التي تتابع المشروع، أوصت بإعادة بناء الجزء الذي تم هدمه في صحن المسجد، بالطوب الطفلي، في حين قام المقاول بمخالفة ذلك، وبالبناء بالطوب الرملي الوردي، وهو ما يخالف قواعد الترميم بوزارة الآثار، وهو ما أثار خلافًا شديدًا، وأدى لتوقف المشروع، وتحويل الأمر برمته للنيابة الإدارية.

وأكد رئيس إدارة الآثار الإسلامية، أنه بمجرد تحويل الملف من إدارة المشروعات، إلي إدارة القاهرة التاريخية، سيتم البدء في تنفيذ المشروع والترميم، مشيرًا إلي أن المسجد به عمل كثير، يحتاج ما يقرب من عامين للانتهاء منه، وسيتم خلال الترميم معالجة مشكلة المياه الجوفية وسحبها.

بداية الصفحة