تقارير

فوضى الأسعار.. كيف تحولت حرية السوق إلى مغالاة واحتكار؟.. وخبراء يطالبون بتطبيق حاسم لقوانين التجارة

كتب في : الاثنين 19 فبراير 2024 - 3:55 مساءً بقلم : المصرية للأخبار

 

في محاولة لضبط الأسعار وتفاوتها بالنسبة للمنتج الواحد، شدد رئيس الوزراء على المحافظين بشأن السلع والأسعار قبل شهر رمضان، حيث تطرق الاجتماع الذي عقد  أمس لاستعدادات شهر رمضان المُعظم، وذلك فيما يخص جهود متابعة الأسواق لضمان توافر السلع الضرورية للمواطنين خلال الشهر الكريم، حيث أكد رئيس الوزراء ضرورة العمل على توافر السلع في الأسواق، وضبط الأسعار، خاصة أن الحكومة تولي اهتماماً بالغاً بهذا الملف حالياً، في ضوء التأثيرات الاقتصادية الراهنة، لافتاً إلى أن هناك لجنة مُشكلة من عدد من الوزراء ومسئولي الجهات المعنية لإدارة هذا الملف.                                                                

الاقتصاد الحر في مصر له مفهوم خاطئ وإنقاذ الحرية الاقتصادية قبل أن تتحول لفوضى اقتصادية

يقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد والاستثمار والتمويل الدولي، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إن مجلس الوزراء  قرر مرتين في وقت سابق بإلزام التجار بالأسعار، كانت المرة الأولى من حوالي عام ونصف العام والمرة الثانية كانت منذ 6 أشهر، وقد ذكر أن من لايلتزم سيتعرض لعقوبات قاسية، لكن في المقابل في ظل انفلات الأسعار نجد أنه بدءً من  مفتش التموين نفسه لا يقوم بالدور المطلوب منه.

الدكتور رشاد عبده

 

يتابع: "فضلا عن أن مفهوم الاقتصاد الحر في مصر له مفهوم خاطئ، لأنه لا يوجد شيء يسمى اقتصاد حر ولكن يوجد ما يسمى حرية اقتصادية وليس اقتصاد حر، حيث إن ما يطبق في مصر هنا هو السير على مبدأ عرض السعر الذي يريده التاجر، وعليك كمستهلك أن تمتنع عن الشراء منه إذا لم يناسبك، كل ذلك خلق حالة من عدم وجود العقاب على التجار لمجرد أنه من وجهة نظره يرى أن ذلك هو السعر المناسب، وذلك من مبدأ أن لديه الحق والحرية في عرض السعر الذي يريده ومن مبدأ أن المستهلك له الحرية يقرر الشراء منه أو لا،  بنظرية أن كل من التاجر والمستهلك له حقه في قرار الشراء.

"احتكار القله" يتحكم في الأسواق ووضع هامش ربح يصل إلى 100%

وفي سياق متصل يقول الدكتور رشاد عبده، إن المشكلة الأكبر في غلاء الأسعار وتفاوتها من محل لآخر، ومن منطقة لأخرى، هو اتفاق التجار فيما بينهم في أنهم يقومون بفرض أسعار عالية جدًا أعلى من طاقة المواطن، وأعلى من التكلفة بهامش الربح يصل إلى 50%، وفي بعض الأحيان يصل إلى 100% وعلى فترات قريبة جدًا، ورغم ذلك متروك أمرهم بلا رقابة.

وأردف: "في حين أن الدول الأوروبية نجد أنها نادرًا ما يحدث لديها ارتفاع كبير ومبالغ فيه خلال عام هذا مستحيل، حيث قد تظل الأسعار ثابتة لمدة تصل إلى 3 سنوات، وذلك لأنه توجد منافسة كاملة، بمعنى أن عددًا كبيرًا جدًا يقوم بعرض السلعة وفي المقابل عدد كبير يقوم بطلب السلعة، أي يوجد توافق وتناسب بين العرض والطلب بشكل كبير، في حين أن كل فرد في السوق يعلم كل صغيرة وكبيرة عن السوق حتى يستطيع في ظل هذه المنافسة كسب المواطن وثقته، لأنه في حالة قيام أحد الأفراد بزيادة الأسعار حتى ولو بقدر بسيط عن الآخرين سيزهد المستهلكون في الشراء منه، هنا يضطر للبيع بالسعر الموجود في السوق أو أما يخرج من السوق، لذلك نجدهم في الأسواق الأوروبية لكي يستطيعوا كسب المستهلكح نظرًا لتوحيد السعر يلجأون لوجود تخفيضات أو تقديم امتيازات عند الشراء بتقديم هدايا مجانية.. وهكذا بهدف كسب السوق.

وتابع: لكن في مصر يحدث العكس، حيث يوجد في مصر ما يسمى بـ سوق احتكار القلة، حيث إن عددًا قليلًا هو من يتحكم في السلعة سواء استيراد أو إنتاج، وبالتالي هذا العدد القليل من التجار في السوق المصرية عادة ما يتفقون فيما بينهم على أن سعر السلعة لا ينخفض عن سعر معين، وبذلك يتحول السوق إلى احتكار مطلق وبدون رقابة، لذلك من أجل هذا نجد نفس المنتج يباع بسعر في نفس المكان وإذا لم يرض المستهلك فعليه أن يمتنع عن الشراء.

واستطرد بالقول: "كما أن المستهلك لن يظل في دوامة السير لجميع المحلات لكي يبحث عن السعر الأرخص لكي يقرر الشراء ولكن المستهلك يقنع نفسه في النهاية بالشراء من محل سكنه فالبتالي يتم استغلاله، وهذا نتيجة فهم الحرية الاقتصادية بشكل خاطئ والذي يحدث فيها أن كل شخص حر يفعل ما يريده، فهذا لو استمر لن تصبح حرية اقتصادية ولكنه سيتحول إلى "فوضى اقتصادية".

سحب تراخيص التجار في حالة عدم الالتزام بالأسعار

ويشير الدكتور رشاد عبده، يرجى بعد قيام الدولة بالنقاش مع الغرف التجارية أن نركز على السؤال الذي يطرح نفسه في حالة عدم التزام التجار ماذا سيحدث، وهنا نقول يجب تطبيق ما يحدث في بعض الدول الأخرى في هذه الحالة، هو أن الحكومات تجلس مع التجار واتحاد الغرف التجارية، لكي يناقشوا ويعرفوا الأسعار التي تم الاستيراد بها، ومعرفة تكلفتها وهامش الربح، وبناء على ذلك يتم تحديد سعر مناسب للسلع، ولكن في حالة عدم التزامهم أسعار البيع التي تم تحديدها، هنا الدولة تملك القرار من خلال أن يتم سحب الترخيص من التاجر غير الملتزم حتى لا يستطيع الاستيراد مرة أخرى، وبذلك يخوض تجربة الخسارة وتفاديا لذلك علية أن يلتزم بما تم الاتفاق عليه مع الحكومة في الأسعار.

وأضاف: "لكن في مصر لم يتم على مر التاريخ سحب ترخيص من أحد التجار لأنه يقوم بغش وسرقة الجماهير ورفع الأسعار، لأنه للأسف في كثير من الأحيان بعض المنظمات الأهلية تكون أقوى من الحكومة، ومن هنا تتجرأ هذه الجهات في التمادي نظرا لإفلاته من العقاب، والأسوء أن من يلتزم منهم يندم فيما بعد؛ لأنه يرى أن غيره حقق مكاسب هو لم يحققها ولم يحاسبه أحد فيضطر السير على نفس النهج.

استغلال الأزمات محرم شرعًا                 

وحول رأي الدين يشير الدكتور علي مصطفى من علماء الأزهر الشريف، إلى أن الإسلام لم يهمل مشكلات الغلاء وارتفاع الأسعار، وإنما عالجها بعدة طرق، ومنها أنه أمر بإنظار المعسر، وحثَّ على التصدُّق عليه، ورغب في السماحة في البيع والشراء، وحث الجميع على ترشيد الاستهلاك، ونَهى عن الاحتكار، فضلًا عن ضرورة التخطيط لمصروف البيت، وهو أمر تتميز به المرأة عبر العصور لأنها داعمةً لبيتها دائما .

الدكتور علي مصطفى علي

 

وتابع: " كما أن احتكار السلع والأقوات استغلالًا للأزمات يعتبر عملًا محرمًا شرعًا، وقد دلت النصوص الشرعية على أن الاحتكار من أعظم المعاصي، فروى الإمام مسلم بسنده عن معمر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ». وفي روايةٍ لمسلمٍ أيضًا: «من احتكر فهو خاطئ».

الاحتكار جريمة وذنب عظيم يوقع صاحبه في المحظور

وفي سياق متصل، يتابع الشيخ علي مصطفى علي: إن الاحتكار في اللغة يعني الظلم، والاحتكار هو عبارة شراء سلعة معينة بكثرة وحبسها حتى يرتفع ثمنها، والشرط في الاحتكار هو أن المحتكر قام بشرائها وتخزينها وقت الغلاء، ويختلف الأمر عند تخزين السلع في وقت انخفاض الأسعار، هنا لا يعتبر محتكرًا لأنها تخزين فقط، وكذلك تكون السلعة متوافرة للمواطنين.

وأضاف: وقد شرع المولى عز وجل البيع والشراء وقد شرعهم لحاجة الناس لها، ولكن الاحتكار يعتبر ضد حاجة الناس في البيع والشراء استنادًا لقول الله تعالى "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" والأية الكريمة تشير وكأن المحتكر يسير في صف الربا المحرم والمجرم، لأن الله حرم الربا استنادًا لقول الله تعالى "كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ"؛ حيث إن المشكلة في الربا أنها تجعل الأغنياء تزداد غنى والفقير يزداد فقرًا، وفي القاعدة الأصولية يوجد أن الضرر يزال، فلابد من مراعاة هذه القاعدة الأصولية.

وتابع: كما توجد الكثير من الأحاديث التي تشير إلى خطورة الاحتكارات منها "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"، أما الحديث التالي: "من احتكر طعامًا أربعين يومًا يريد به الغلاء فقد برئ من الله وبرئ الله منه" وبذلك تبين الأحاديث النبوية وبال الاحتكار بهدف ارتفاع أسعارها وتحقيق مكاسب مضاعفه، والتي تسبب زيادة هموم المواطن أكثر، بسبب عدم وجود إيمان عند المحتكر، رغم أن الأصل أن الإنسان إذا كان لديه فضل زائد عن حاجته وجب أن يعطيه لمن لا زاد له، وهذا من أصل الدين وقد قال النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" والله لا يؤمن.. من بات شبعان وجاره بجواره جائع وهو يعلم، فما بالكم من المحتكر الذي يمنع السلعة مما يسببان غلاء فاحشًا للسلع وعدم وجودها.

ويقول الحديث النبوي يقول "لا يحتكر إلا خاطئ" والخاطئ هو العاصي والإثم وعليه إثم الاحتكار، كما أن المحتكر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وهو ليس تبريرًا للمحتكر، ولكنه خائف لأنه يريد تحقيق مكسب، ولكن ذلك ليس مبررًا، ولكنهم يتوقفون عن البيع لفترة معينة لتحقيق مكاسب أكبر، وهذا أمر خاطئ لأنه من الضروري وجود حد أدني من البيع، ويجب أن يتم من أجل المصلحة العامة، ولكن للأسف المحتكر يغلب ويؤثر مصلحته الخاصة على المصلحة العامة، وهذه مشكلة كبيرة وأمر خطير جدا دينيا، لأن الاحتكار له ضرر ديني واجتماعي واقتصادي ويسببها المحتكر للسلع.

ردع المحتكرين بالطرق الحاسمة

ويستطرد الشيخ علي مصطفى علي، أنه يجب على ولي الأمر والدولة والحكومة وكل من له سلطة، منع هؤلاء المحتكرين من الاحتكار، لأنه ربما الكلام لا يجدي مع المحتكرين.

وعن عمر رضي الله عنه  قال "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" أي أن المحتكر يحتاج لطرق حاسمة تقضي بينه وبين الناس، من خلال سحب بضاعة، ولكن دون بخس ثمنها لكن أن يحصل على ماله الذي اشترى بها مستلزمات الإنتاج أو البضائع، وإعطائه هامش ربح بسيط لوجه الله بدلًا من تطبيق قضايا عليه وتحريزها وتشميعها لأن حجزها لن ينفع المستهلك، لكن الهدف أن تتم معالجة الاحتكار بهدف صالح المواطن.

بداية الصفحة