حزب فاسد وجماعة منحلة

كتب في : الأحد 03 يناير 2016 بقلم : عبد الرحيم حشمت
عدد المشاهدات: 25797

من المشاهد التاريخية التي لا تمحى من الذاكرة الوطنية مشهد الجلسة الشهيرة لمجلس الشعب عام 2010 م .. التي كشفت حجم الفساد والطغيان والغطرسة والاستبداد الذي ساد البلاد في عهد الدكتاتور الأسبق الذي احتل عن جدارة خلال الأيام القليلة الفائتة الترتيب الأول في قائمة الشخصيات الأكثر فسادا على مستوى العالم كله حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية حيث تفرغ هو وأركان حكمه الفاسد ، وعصابة حزبه اللاوطني المنحل البائد للنهب والتكويش ، وبرعوا في التزوير والتزييف حتى بلغ به الصلف والغرور حدا جعله يقول في تلك الجلسة "خليهم يتسلوا" ردا على قيام فصائل المعارضة حينئذ بتشكيل مجلس شعب موازي احتجاجا على تزوير وتزييف إرادة الجماهير في الانتخابات البرلمانية عام 2010 م .. وكانت أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع ثورة 25 يناير 2011 م الشعبية الخالدة التي أسقطت نظامه ، وحلت حزبه ، وسجنت أركان حكمه ، وقضت على أحلام ابنه .

ثم هل ينسى أبناء هذا الشعب الأصيل ذلك اليوم الأسود اللعين الذي انعقدت فيه أولى جلسات مجلس الشعب عام 2012 م ؟ .. الذي أطلق عليه إعلاميا "مجلس قندهار" نظرا لأنه لم يكن يمثل السواد الأعظم من المصريين .. بل كان يمثل جماعة مستغلة لا تؤمن بالوطن ، ولا تحب شعبه ، ولم تشارك في الثورة ، بل هاجمت الثوار ووصفتهم " بشوية عيال " لكنها بعد عدة أيام من اندلاع الثورة استطاعت بميكيافليتها المعروفة ، وخيانتها المعهودة أن " تتشعبط " في العربة الأخيرة من قطار الثورة بعدما ضمنت انطلاقه بقوة نحو الهدف الذي كانت تسعى إليه منذ عدة عقود .. مخترقا جميع الموانع والسدود ، ومحطما كافة الحواجز والقيود .. ولم تكتف هذه الفئة الضالة " بالشعبطة " في العربة الأخيرة من قطار الثورة .. بل مع مرور الوقت استطاعت أن تتسلل إلى قاطرة القطار ، وتحتل قمرة القيادة ، وتنفرد بقيادة المسيرة بعدما أقصت الثوار الحقيقيين من الشباب الواعي المثقف المستنير ، مستغلة تشرذمهم ، وقلة خبرتهم .. ولم تكتف بذلك بل نسبت الثورة لنفسها بمنتهى الصفاقة والوقاحة والبجاحة والصلف والجهل والطمع والغرور .. ثم استغلت هذه الجماعة المنحلة التدين الفطري للعوام فلعبت على هذا الوتر الحساس بالترغيب في الجنة ، والترهيب من النار .. من قبيل " من أراد أن يطع الله فليمنحنا صوته وإلا فقد عصاه " .. وبالتوازي مع تجارتهم بالدين ، استغلوا خبرتهم الطويلة في إطلاق التهديدات ، وتزوير الانتخابات ، واستفادوا من خبرتهم الأطول في توزيع المؤن وشراء الذمم .. وما أن وصلت هذه الجماعة المارقة إلى سدة الحكم حتى كشفت عن وجهها الحقيقي فشقت الصف ، وفرقت الجمع ، وأهانت الشعب ، وعذبت ، وقتلت ، وكفرت أبنائه ، وتوعدت بتدمير الحضارة الفرعونية ، وحاولت طمس الهوية المدنية ، وهدم المؤسسات الوطنية ومن ثم إعادة بنائها من جديد ليكون ولاؤها للسلطان وليس للأوطان .

فاكتشف الشعب المصري العظيم الذي تصور ذات يوم بأنه تخلص من حكم عصابة من اللصوص والفاسدين .. أنه وقع ضحية جماعة لا ترحم من العملاء والخونة والإرهابيين .. فكانت ثورة 30 يونيو 2013 م الشعبية الخالدة التي قضت على أحلام هذه الجماعة الإرهابية ، وحلت حزبها السياسي ، وحرمت الانتماء إلى هيكلها التنظيمي .. فأصبح الشعب المصري العظيم أول شعب في تاريخ البشرية يفجر ثورتين ، ويسقط نظامين ، ويصدر دستورين ، ويحاكم رئيسين ، خلال ما يزيد قليلا عن سنتين .

وبعد هذا كله جاءت انتخابات مجلس نواب 2015 م ليلعب المال السياسي لعبته القذرة مستغلا حالة العوز والحاجة التي ضربت معظم المصريين فحصد أصواتهم دون عناء كبير .. فكانت النتيجة الطبيعية لهذه المهزلة الانتخابية أن الغالبية العظمى من ممثلي هذه الأمة من سدنة الدولة العميقة ، وأصحاب الرأسمالية المتوحشة ، والمنظرين لها ، والسائرين في ركابها .. بينما فاز عدد بسيط جدا بعد جهد جهيد ممن يؤمنون بالاشتراكية ، ويحملون على عاتقهم مهمة الدفاع عن قضية العدالة الاجتماعية .

أنظر إلى هذه المفارقة العجيبة الصادمة التي جاءت بمجلس نواب بعد اندلاع ثورتين شعبيتين من أجل العيش ، والحرية ، والكرامة الإنسانية ، والعدالة الاجتماعية أغلبية أعضاؤه يمثلون الأقلية التي لا تزيد عن 5 _ من أصحاب المليارات الذين يسكنون في القصور والمنتجعات .. بينما الأقلية من أعضائه يمثلون الأغلبية المطحونة من المصريين الذين يمثلون 95 _ من سكان الأرياف ، والمناطق الشعبية ، والقبور ، والعشوائيات .

ينتظر المصريون بترقب شديد ، واهتمام كبير انعقاد الجلسة الأولى لهذا المجلس العجيب .. كي يشاهدوا أصحاب الرأسمالية المتوحشة الذين لا هم لهم سوى حماية أموالهم الطائلة ، وجمع المال الحرام بأي شكل من الأشكال .. جنبا إلى جنب سدنة الدولة العميقة في كل عهد وعصر .. الذين تحالفوا سويا ثم تحركوا في وقت واحد بعد بيات شتوي طويل .. جاءوا معا ليقفوا صفا واحدا دفاعا عن مكونات الدولة العميقة " الأرض ، والتراث ، والحضارة ، والسلطة ، والثروة " لكنهم أسقطوا من حساباتهم ، واستبعدوا من مظلة حمايتهم أحد أهم مكونات الدولة ألا وهو الشعب .. نعم جاءوا ليدافعوا باستماتة شديدة عن مؤسسات الدولة العميقة كما هي بما لها وما عليها .. ليس حبا في سواد عيونها ، وإنما حرصا على مصالحهم ، واستمرارا لمناصبهم ، وحماية لحاضرهم ، وضمانا لمستقبلهم .

لكن الخشية أن تتصاعد قوتهم ، ويتمدد نفوذهم ، وتتعاظم سطوتهم فيصبحوا حاجزا منيعا يعرقل جهود أصحاب الأيادي البيضاء التي تحاول إصلاح هذه المؤسسات ، والقضاء على الفساد ، والنهوض بالبلاد .. خاصة وأن مصر تخوض عدة حروب في أكثر من اتجاه في وقت واحد بدأ بالحرب على الإرهاب ، مرورا بقضية تجديد الخطاب الديني ، وصولا إلى مهمة تقويم السلوك المجتمعي ، وانتهاء بمعركة اجتثاث الفساد المتوغل في المؤسسات بقيادة فلول العهد الفاسد البائد الذين لا يقل إجرامهم خطرا على حاضر البلاد ومستقبلها عن جرائم الجماعة المنحلة .. فبينما يحاول أزلام هذه الجماعة الإرهابية تدمير المؤسسات فإن بقايا فلول النظام الفاسد البائد الذين عادوا بقوة يحاولون ابتلاع خيرات الدولة ، والعودة مرة أخرى إلى الاستئثار بالثروة والسلطة .. وليذهب هذا الشعب الفقير إلى الجحيم .

بداية الصفحة